الخميس، 29 أبريل 2010

معركـــة الطعـــام ومعركــــة اللئــــــام !

طبعا الكل يعرفها .. والكل قد مر بها..:



(طبلية) ملتف حولها عشرة أشخاص –أو ربما أكثر- يتصارعون على الطعام......


وقد حوت طبليتنا أشهى المأكولات .. فأمي طباخة ماهرة .. والحارة كلها تعرف ذلك .. حيث أن جميع سكان الحارة يسمعون (شهقتها) أثناء طبخها للملوخية ..
ابتداءً من عم حسين كرمشة (المكوجي) مروراً بخالتي خضرة (بتاعت الخضار)
وعم جمال الأصلع (الحلاق بتاع الحارة) وانتهاءً بخالتي محاسن لسان "أثرى أثرياء الحارة" (حيث أنها لا تترك بيتاً إلا وتدق بابه وتظل تلح عليك حتى تعطيها شيئاً، ولا تخرج من عندك إلا ومعها مبلغ من المال أو كيلو سكر أو رغيفين عيش أو ما إلى ذلك .. ولا تترك شخصاً يدخل الحارة إلا وتخرج عليه وتهدده إما أن "يقب بالمعلوم" أو "يرجع من مطرح ما جه" .. وأنصحك إذا فكرت أن تزور حارتنا ووجدتها أمامك إحدى يديها ممدودة أمامك تطلب الإحسان والأخرى ممسكة بآلة حادة فأعطها ما تطلبه، تفادياً لكم الشتائم الذي ستنهال عليك به .. فبالرغم من أنها أمية إلا أنها تحفظ وعن ظهر قلب قاموساً من الشتائم من عهد الفراعنة وحتى أحدث الإصدارت في فن الشتيمة، وربما تأتي بشتائم عمرك ما سمعت ولا هتسمع عنها في حياتك).

المهم .. أردت أن أحكي لكم عن معركة الطعام التي تحدث يومياً في كل منزل من منازل حارتنا المصونة (حفظها الله لنا بمجاريها وكهربائها ومياهها "اللي دايما مقطوعين" وأطفالها "المشردين" وتكاتكها "الصيفي")

تكون جالساً في أمان .. فتسمع صوتاً ينادي (الطعام) .. فتركض إلى المطبخ علشان تحلقلك مكان .. فتجد على الطبلية طبق الباذنجان "لحمة الغلابة اللي زينا" والذي يتميز برائحة تشعرك بالغثيان .. ولكنك تجلس وكلك أمل أن تقوم وأنت شبعان .. ولكن هيهات هيهات،فهذا يكون فقط في الأحلام .. أما هنا فإنك بمجرد أن تجلس تجد الأيادي كلها ممتدة على الطعام الذي يكون في الواقع لا يكفي اثنان .. فتجلس وتقوم وما زلت تشعر أنك جوعان .. واهي اتحسبت عليك أكلة والسلام ...


ولكن بإمكانك أن تكون محظوظاً وتقوم وانت شبعان .. وهذا لا يكون إلا في حالة واحدة فقط يتقنها الجدعان .. ولكن سيتحتم عليك ارتكاب جريمة أو طرد أحدهم من المكان ..
فإما أن تضرب أحد إخوتك مسبباً له عاهة مستديمة (تاخد حقك بدراعك يعني) .. أو أنك تتهمه بالتسكح في الغيطان مما يترتب عليه طرده من المنزل أو على الأقل حرمانه من الطعام.


ولكن .. لماذا أحكي لكم هذا الآن؟؟ على الرغم من أن هذا الكلام كان زمان؟!! فقد تركنا الحارة وانتقلنا إلى حارة أخرى من أرقى حارات المكان .. وقد تحسنت حالنا واشترينا سفرة ولم نعد نأكل الباذنجان.....


وقد نسيت معركة الطعام .. فقد طوتها الأيام .. وقول للزمان ارجع يا زمان !
ولكن واقعنا الذي نعيشه والظروف الراهنة التي نمر بها هما ما ذكرني بهذا كله وجعلني أعود بذاكرتي إلى ذكريات أليمة ....


فالدنيا فعلاً أصبحت (كشري) والحياة (باذنجان) ..
فترى هذا يتصارع من أجل منصب .. وذاك من أجل رتبة .. وآخر يلفق تهمة لزميله ليبعده عن المكان ......
صار العالم غابة .. البقاء فيها للأقوى ...
فلا تستطيع الحصول على وظيفة إلا بواسطة (واسطة)!
وتجد الكل في المصالح الحكومية يردد نغمة (فوت علينا بكرة يا سيد)!
ولا تحصل على ورقة تحتاجها إلا بعد دفع (الدخان) أو أياً كان اسمه .. فهو في النهاية رشوة ولا جدال في ذلك!
وتجد البنوك لا تتعامل إلا بالربا (مع تغيير المسمى) !
وتعيش حياتك كلها تدعو في كل سجدة أن تشهد انتخابات رئاسية قبل أن توافيك المنية .. ولكننا أكيد (صعبانين عليه) ولا يريد أن يتركنا للوحوش الضارية .. بل يريدنا في كنفه وتحت رعايته (ربنا يخليه لينا)!
وتجد الثقافات الغربية تلاحقك في كل مكان .. لا تستطيع الهروب منها وإلا أصبحت مذنباً وخارجاً عن المألوف!


باختصار فإن حالنا الآن هو تماماً كـ "معركة الطعام"
نعم .. إنها معركة الطعام تتكرر أمامي مرة أخرى..
واسطة ... محسوبية ... رشوة ... صراعات أحزاب ... تصارع على الحكم .......
والكثير الكثير من المعارك التي نراها كل يوم ولا نجد لها حلاً
ولكن للأسف ليست تلك المعارك قاصرة فقط على (أكلة).. ولكنها معركة مصير .. نعم مصير شعب .. مصير أمة ..

ولكن على الرغم من أني ساخطة على واقعنا هذا .. وغير راضية بالمرة عن سياسة دولتنا .. وكارهة للحكومة بأكملها ..


إلا أنني أحب وطني بل وأفخر به وأردد..:


لو لم أكن مصريا   .....  لوددت أن أكون مصريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق